خذلان عابر للزمن
يمنات
لطف الصراري
لا أحد يأبه لتحذيرات الأمم المتحدة من المجاعة في اليمن، حتى بعد أن صارت المأساة الإنسانية ماثلة للعين. دعونا لا نأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد، ودعونا نقول إنها مبالغات ذوي النزعة الإنسانية الطافحة بالتراجيديا. وتلك الصور التي تظهر الهياكل العظمية للأطفال والكبار على حدّ سواء، لا تلتفتوا لها أيضاً؛ فهي لا تختزل سوى مأساة الجوع. والجوع هي واحدة فقط، من عشرات المآسي التي خلفتها الحرب.
مطلع الأسبوع الجاري، قالت الأمم المتحدة، إن استمرار الحرب في اليمن سوف يتسبب في جعل الوضع الإنساني لسكانه «الأسوأ منذ 100 سنة». وهكذا تنتقل المأساة الإنسانية في هذه «البلدة الطيبة» من «أسوأ أزمة إنسانية» في الوقت الراهن، إلى مأساة عابرة للزمن. اليمن بلد مغلق، أو بالأحرى، مستغلق على الاستكشافات والدراسات العلمية. لذلك، عندما تقول إحصاءات وتوقعات المسوحات الميدانية إن 13 مليون إنسان مهددون بالمجاعة في اليمن، فإن العدد الحقيقي أكبر من ذلك. ذلك أن اليمني بطبيعته، لا يقرّ بالجوع، خاصة إذا كان لا يجد ما يأكله. إنه شعب يطغى شعوره بالكرامة على شعوره بالجوع.
تتصارع أطراف الحرب بلقمة الإنسان في اليمن. صار الغذاء سلاحاً، النفط سلاحاً، العملة سلاحاً، والأطفال وقوداً للمعارك في الجبهات وفريسة لسوء التغذية في القرى وأشباه المدن. نعم أشباه المدن. فمنذ اندلعت هذه الحرب، لم تعد المدن كما كانت عليه قبلها؛ لا كهرباء لا مياه، لا غاز، ولا شوارع معبّدة. وأكثر من ذلك، تلاشى الأمان الذي لا أحد بمقدوره إشاعته غير الدولة، وما الذي أبقته الحرب من الدولة!
هنا يكمن جوهر مأساة اليمن حتى الآن؛ ضياع الدولة. وإذا ما ضاعت روح القانون أيضاً، على إثر كل هذه الفوضى وزعزعة إيمان الناس بوجود العدالة، سيكون حينها ضياعاً مكتملاً وشاملاً. ولن تجدي برامج إعادة الإعمار ولا معالجات آثار الحرب. المال لا يفعل شيئاً عندما ينهار الإنسان، وهذا ما يبدو أن أطراف الحرب، خاصة الفاعلين الدوليين في حرب اليمن، يريدون الوصول بالبلاد إليه. لن تنسى الأجيال ما تفعله السعودية بمالها في اليمن، وما الذي تفعله به مع الدول الكبرى.
تحمي المملكة العربية السعودية نظامها وأمن أراضيها، بسياج من المال تغدقه بصفقات طويلة وقصيرة الأمد مع الدول الكبرى. وطالما سعت لتحسين علاقاتها بجميع دول العالم ما عدا اليمن؛ جارتها المحشورة بينها وبين البحر. منذ بداية عهد الدولة الثالثة لآل سعود، وضعت اليمن موضع العدو الذي يجب أن يظل ضعيفاً ومنقسماً وتحت السيطرة.
لا تأبه أطراف الحرب لجوع اليمنيين ومآسيهم المتسلسلة عبر هذه السنوات العجاف، غير أن هذا الشعب اليتيم من قيادة تقيم له وزناً، لن ينسى كل من تغطرس عليه وقتله بكل أصناف القتل وأكثرها بشاعة. لا حرب تدوم إلى الأبد ولا رخاء يدوم إلى الأبد. ومثلما ثار على المستعمرين وظلم الحاكم، سوف يأتي اليوم الذي ينفض فيه غبار مآسيه، ولن يأبه سوى لمن أحسن إليه.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.